حُسن النسق فى القرآن/كتب / رامى عامر

كتب / رامى عامر 
يقول المولى عز وجل فى سورة هود " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " (44)
قال فيها طائفة من علماء العرب : إن هذه الآية تعد من أفصح آيات القرآن وأبلغها وإن كانت آياته جميعا فى غاية البلاغة والفصاحة.
فى هذه الآية صور بلاغية فى قمة الجمال ولا عجب فى ذلك ، فإن هذه الآية مع قصرها تحتوى على خمسة وعشرين فنا بلاغيا ، وقد ذكر ابن أبى الإصبع أن فيها عشرين ضربا من البديع.
نجد فى هذه الآية إعجاز بلاغى فى حسن النسق أو إعجاز النظم كما قال عبد القاهر الجرجانى فى كتابة دلائل الإعجاز.
 حيث إن الكلمات ذات تلاحم قوى ومحكم وسليم بحيث إذا أفردت كل جملة لوحدها لقامت بالمعنى ، فجمل الآية الشريفة جاءت مترابطة بواو النسق بترتيب فى غاية الجمال فالهدف الأسمى هو أن ينطلق أصحاب نوح من السفينة إلى الأرض ، وذلك لا يتحقق إلا بانحسار الماء عن الأرض ، فلذلك تم توجيه النداء إلى الأرض أولا حيث أمرت بابتلاع الماء ، ثم وجه النداء الثانى إلى السماء بالاقلاع ، ثم تلى ذلك مجئ خبر "غيض الماء" حيث انحسار الماء ، أعقب ذلك بيان "وقضى الأمر" الذى يوحى بهلاك قوم العصاة ونجاة المؤمنين ، ثم الإشارة إلى استواء السفينة واستقرارها ليبعث الأمن فى أنفس النجاة ، ثم اختتام المشهد بالدعاء على العصاة المتكبرين.
يوجد تناسق قوى بين هذه الجمل المعطوفة لاحظوا أن كل جملة قائمة بذاتها ، ويمكن أن تعطى معنى مستقلا "قيل يا أرض ابلعى ماءك" ، "يا سماء اقلعى" ، " غيض الماء" ، " قضى الأمر" "استوت على الجودى" ، "قيل بعدا للقوم الظالمين"..
وفى هذا يقول عبد القاهر الجرجانى فى كتابه دلائل الإعجاز هل تشك إذا فكرت فى قوله تعالى " وقيل يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين " فتجلى لك منها الإعجاز ، وبهرك الذى ترى وتسمع ، إنك لم تجد ما وجدته من المزية الظاهرة ، والفضيلة القاهرة ، إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض ، وإن لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الأولى الثانية ، والثالثة الرابعة ، وهكذا ، إلى أن تستقريها إلى أخرها ، وأن الفضل نتائج ما بينها وحصل من مجموعها ؟.